قد حثنا شرعنا الحنيف على الصدق في شأننا كله ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة/ 119 ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ) رواه البخاري ( 5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
والمزاح في الإسلام مباح ، والكذب فيه محرَّم ، وقد كان نبينا محمد عليه وسلم يمزح ، ولا يقول في مزحه إلا حقّاً .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا ، قَالَ : ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) .
رواه الترمذي ( 990 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولذا : فإنه يحرم الكذب في المزاح .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَه ) .
رواه أبو داود ( 4800 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ويحرم الكذب من أجل إضحاك الناس .
قالُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَه ) .
رواه الترمذي ( 2315 ) وأبو داود ( 4990 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عقب هذا الحديث - :
وقد قال ابن مسعود : " إن الكذب لا يصلح في جَدٍّ ، ولا هزل " ... .
وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على المسلمين ، وضرر في الدين : فهو أشد تحريماً من ذلك ، وعلى كل حال : ففاعل ذلك - أي : مضحك القوم بالكذب - مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 256 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
ما حكم النكت في ديننا الإسلامي ، وهل هي من لهو الحديث ، علماً بأنها ليست استهزاء بالدين ، أفتونا مأجورين ؟ .
فأجاب :
" التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق : فلا بأس به ، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك ، وقد كان النبي عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقّاً عليه وسلم ، أما ما كان بالكذب : فلا يجوز ؛ لقول النبي عليه وسلم : ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسنادٍ جيِّدٍ " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 391 ) .
ويحرم المزاح إن كان يؤدي إلى ترويع المسلم .
عنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ ) .
رواه الترمذي ( 2086 ) وأبو داود ( 5003 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهَا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ ، فَقَالُوا : لا ، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) .
رواه أحمد ( 23064 ) - واللفظ له - وأبو داود ( 4351 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
المصدر ::::
تكملة فتاوى الموقع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله