السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويُضافُ إلى ذلك: ما فيها مِن المصالحِ والمنافعِ التي تدلُّ على أنَّ الحِكمةَ تقتضي وجوبَها ومنها:
1 ـ التوادُّ بين النَّاسِ؛ لأنَّ ملاقاةَ النَّاسِ بعضهم بعضاً واجتماعهم على إمامٍ واحدٍ في عبادةٍ واحدةٍ ومكان واحدٍ يؤدِّي إلى الألفة والمحبة.
2 ـ التَّعارفُ، ولهذا نَجِدُ أنَّ النَّاسَ إذا صَلَّى عندَهم رَجُلٌ غريبٌ في المسجدِ، فإنَّهم يسألون عنه مَن هذا؟ مَن الذي صَلَّى معنا؟ فيحصُلُ التَّعارفُ، والتَّعارفُ فيه فائدةٌ وهي: أنَّه قد يكون قريباً لك فيلزمُك مِن صِلَتِهِ بِقَدْرِ قرابته، أو غريباً عن البلد، أو غير ذلك، فتقومُ بحقِّهِ.
3 ـ إظهارُ شعيرةٍ مِن شعائر الإسلام، بل مِن أعظمِ شعائرِ الإسلامِ وهي الصَّلاةُ، لأنَّ النَّاسَ لو بقوا يصلُّون في بيوتهم ما عَرَفَ أنَّ هنالك صَلاةً.
4 ـ إظهارُ عِزِّ المسلمين إذا دخلوا المساجدَ ثم خرجوا جميعاً بهذا الجَمْعِ.
5 ـ تعليمُ الجَاهلِ، فإنَّ كثيراً مِن النَّاسِ يستفيد ما يُشرع في الصَّلاةِ بواسطة صلاةِ الجماعة، حيث يقتدي بمَن على جانبه، ويقتدي بالإمام وما أشبه ذلك.
6 ـ تعويدُ الأمَّةِ الإسلاميةِ على الاجتماعِ وعدم التفرُّق؛ لأنَّ هذا الاجتماعَ يُشكِّلُ اجتماع الأمَّة عموماً؛ إذ إن الأمَّةَ عموماً مجتمعة على طاعةِ ولي أمرِها وقائدِ مسيرتها حتى لا يختلفوا ويتشتَّتوا، فهذه الصَّلاةُ في الجماعة وِلاية صُغرى؛ لأنهم يقتدون بإمامٍ واحدٍ يتابعونه تماماً، فهي تشكِّلُ النَّظرةَ العامةَ للإسلامِ.
7 ـ ضبطُ النَّفسِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا اعتادَ على أن يتابعَ إماماً متابعةً دقيقةً، إذا كبَّرَ يكبِّرُ، لا يتقدَّمُ ولا يتأخَّرُ كثيراً، ولا يوافق، بل يتابعُ، تعوَّدَ على ضَبْطِ النَّفسِ.
8 ـ استشعارُ النَّاسِ بهذا وقوفهم صفًّا في الجهاد، كما قال الله تعالى: {{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}} [الصف: 4] ، وهؤلاء الذين صاروا صَفًّا في الجهاد؛ لا شَكَّ أنهم إذا تعوَّدوا ذلك في الصلواتِ الخمسِ سوف يكون وسيلةً إلى ائتمامِهم بقائِدهم في صَفِّ الجِهادِ حيث لا يتقدَّمون ولا يتأخَّرون عن أوامره.
9 ـ تذكرُ المصلين صفوف الملائكة عند الله تبارك وتعالى فيزدادون بذلك تعظيماً لله ومحبة لملائكة الله.
10 ـ شعورُ المسلمين بالمساواة في عبادة الله تعالى؛ لأنه في هذا المسجدِ يجتمعُ أغنى النَّاسِ إلى جَنْبِ أفقرِ النَّاسِ، والأميرُ إلى جَنْبِ المأمورِ، والحاكمُ إلى جَنْبِ المحكومِ، والصغيرُ إلى جَنْبِ الكبير، وهكذا فيشعرُ الناسُ بأنهم سواء في عبادة اللهِ، ولهذا أمَرَ بمساواةِ الصُّفوفِ حتى قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تختلفوا فتختَلِفَ قلوبُكم» [(257)].
11 ـ ما يحصُلُ مِن تفقُّدِ الأحوالِ أحوال الفقراء، والمرضَى والمتهاونين بالصَّلاةِ، فإنَّ الإنسانَ إذا رُئيَ مع النَّاسِ وعليه ثيابٌ بالية ويبدو عليه علامة الجوعِ رحِمَهُ النَّاسُ، ورَقُّوا له، وتصدَّقوا عليه، وكذلك إذا تخلَّفَ عن الجماعة عَرَفَ النَّاسُ أنه كان مريضاً مثلاً أو غير ذلك فيسألون عنه، وكذلك إذا علموه متخلِّفاً عن الصَّلاة بلا عُذْرٍ اتَّصلُوا به ونصحوه.
12 ـ الأصلُ الأصيل وهو التعبُّد لله تعالى بهذا الاجتماع.
13 ـ استشعارُ آخِرِ هذه الأمة بما كان عليه أولُها، أي: بأحوال الصَّحابةِ، كأنما يستشعرُ الإمامُ أنَّه في مقامِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم في إمامةِ الجماعة فيتأسَّى به فيما ينبغي أن يكون عليه في الإمامة، ويستشعرُ المأمومون أنهم في مقام أصحابِ الرَّسولِ عليه الصلاة والسلام، فلا يتخلَّفُون عن الجماعة إلا لعذر ولا يفرِّطون في متابعة الإمام، ولا شَكَّ أنّ ارتباطَ آخِرِ الأمةِ بأوّلِها يعطي الأمةَ الإسلاميَّةَ دُفعةً قويةً إلى اتِّباعِ السَّلفِ واتِّباعِ هديهم، وليتنا كُلَّما فعلنا فِعْلاً مشروعاً نستشعرُ أننا نقتدي برسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم وبأصحابِهِ الكرام، فإنَّ الإنسانَ لا شَكَّ سيجِدُ دُفعةً قويةً في قلبِهِ تجعلُه ينضمُّ إلى سِلْكِ السَّلفِ الصَّالحِ، فيكون سلفيًّا عقيدةً وعملاً، وسُلوكاً ومنهجاً.